فصل: من فوائد ابن عاشور في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}.
حُبُّ الحياة في الدنيا نتيجة الغفلة عن الله، وأشد منه غفلة أَحبُّهم للبقاء في الدنيا.. وحالُ المؤمن من هذا على الضدِّ. وأما أهل الغفلة وأصحاب التهتك فإنما حرصهم على الحياة لعلمهم بما فقدوا فيها من طاعتهم؛ فالعبد الآبِق لا يريد رجوعًا إلى سَيِّده. والانقلابُ إلى مَنْ هو خيرُه مَرجوٌ خيرٌ للمؤمنين من البقاء مع مَنْ شَرُّه غيرُ مأمون، ثم إن امتداد العمر مع يقين الموت لا قيمة له إذا فَاجَأ الأمرُ وانقطع العُمْرُ. وكلُّ ما هو آتٍ فقريب، وإذا انقضت المُدَّةُ فلا مردَّ لهجوم الأجل على أكتاف الأمل. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ}.
قال الزمخشري: نكرة لأنها حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة.
قال ابن عرفة: فأريد بها هنا التعظيم والتهويل أو يقال: إنّه نكرة للتقليل أي يحرصون على الحياة القليلة فأحرى الكثيرة، فيكون من التنبيه بالأدنى على الأعلى، هذا أظهر وأدلّ على اختصاصهم بالحرص على الحياة وأبلغ، لكن ما بعده يدل على ما قاله الزمخشري.
قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}.
قال بعض الطلبة: لم يرد الحول معبرا عنه بالسنة إلا إذا كان فيه الجدب والغلاء قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءَالَ فِرْعَوْنَ بالسنين} فهلا قيل: يودّ أحدهم لو يعمر ألف عام؟ فَأجاب ابن عرفة بأنهم يختارون الحياة على الموت كيف ما كانت، وهو تنبيه على الأعلى بالأدنى، لأنّهم إذا تَمنّوا حياة ألف سنة مجدبة وفضلوها على الموت، فأحرى أن يفضلوا ألف عام. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآية:

قال رحمه الله:
فإن قلت: لم قال: {على حياة} بالتنكير؟
قلت: لأنه أراد حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة، ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبيّ {على الحياة} {وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} محمول على المعنى لأن معنى أحرص الناس: أحرص من الناس.
فإن قلت: ألم يدخل الذين أشركوا تحت الناس؟
قلت: بلى، ولكنهم أفردوا بالذكر لأن حرصهم شديد.
ويجوز أن يراد: وأحرص من الذين أشركوا، فحذف لدلالة أحرص الناس عليه.
وفيه توبيخ عظيم: لأنّ الذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة ولا يعرفون إلا الحياة الدنيا، فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم، فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقرّ بالجزاء كان حقيقًا بأعظم التوبيخ.
فإن قلت: لم زاد حرصهم على حرص المشركين؟
قلت: لأنهم علموا لعلمهم بحالهم أنهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون لا يعلمون ذلك.
وقيل: أراد بالذين أشركوا المجوس، لأنهم كانوا يقولون لملوكهم: عش ألف نيروز وألف مهرجان.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: هو قول الأعاجم: زي هزار سال.
وقيل: {ومن الذين أشركوا} كلام مبتدأ، أي ومنهم ناس {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} على حذف الموصوف كقوله: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] والذين أشركوا على هذا مشارٌ به إلى اليهود، لأنهم قالوا: عزير ابن الله.
والضمير في {وَمَا هُوَ} لأحدهم و{أَن يُعَمَّرَ} فاعل {بمزحزحه}، أي: وما أحدهم بمن يزحزحه من النار تعميره.
وقيل: الضمير لما دلّ عليه يعمر من مصدره، وأن يعمر بدل منه.
ويجوز أن يكون {هو} مبهمًا، وأن {يعمر} موضحه.
والزحزحة: التبعيد والإنحاء فإن قلت: يودّ أجدهم ما موقعه؟
قلت: هو بيان لزيادة حرصهم على طريق الإستئناف.
فإن قلت: كيف اتصل لو يعمر بيودّ أحدهم؟
قلت: هو حكاية لودادتهم.
و{لو} في معنى التمني، وكان القياس: لو أعمر، إلا أنه جرى على لفظ الغيبة لقوله: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} كقولك: حلف بالله ليفعلنّ. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حياة} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وتجد من وجد بعقله بمعنى علم المتعدية إلى مفعولين، والضمير مفعول أول، وأحرص مفعول ثان، واحتمال أنها من وجد بمعنى لقي وأصاب فتتعدى إلى واحد، وأحرص حال لا يتأتى على مذهب من يقول إن إضافة أفعل محضة كما سيأتي، والضمير عائد على اليهود الذين أخبر عنهم بأنهم لا يتمنون الموت، وقيل: على جميعهم، وقيل: على علماء بني إسرائيل وأل في الناس للجنس، وهو الظاهر، وقيل: للعهد، والمراد جماعة عرفوا بغلبة الحرص عليهم، وتنكير حياة لأنه أريد بها فرد نوعي، وهي الحياة المتطاولة، فالتنوين للتعظيم، ويجوز أن يكون للتحقير فإن الحياة الحقيقية هي الأخروية و{إنٍ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان} [العنكبوت: 4 6] ويجوز أن يكون التنكير للإبهام، بل قيل: إن الأوجه أي على حياة مبهمة غير معلومة المقدار، ومنه يعلم حرصهم على الحياة المتطاولة من باب الأولى وجوز أبو حيان أن يكون الكلام على حذف مضاف أو صفة أي طول حياة أو حياة طويلة، وأنت تعلم أنه لا يحتاج إلى ذلك، والجملة إما حال من فاعل {قل} [البقرة: 94] وعليه الزجاج وإما معترضة لتأكيد عدم تمنيهم الموت، وقرأ أبيّ على الحياة بالألف واللام.
{وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} هم المجوس ووصفوا بالإشراك لأنهم يقولون بالنور والظلمة وكانت تحيتهم إذا عطس العاطس عش ألف سنة، وقيل: مشركو العرب الذين عبدوا الأصنام وهذا من الحمل على المعنى كأنه قال: أحرص من الناس ومن الذين الخ.
بناءً على ما ذهب إليه ابن السراج وعبد القاهر والجزولي وأبو علي من أن إضافة أفعل المضاف إذا أريد الزيادة على ما أضيف إليه لفظية لأن المعنى على إثبات من الابتدائية، والجار والمجرور في محل نصب مفعوله، وسيبويه يجعلها معنوية بتقدير اللام، والمرد بالناس على هذا التقدير ما عدا اليهود لما تقرر أن المجرور بمن مفضول عليه بجميع أجزائه أو الأعم ولا يلزم تفضيل الشيء على نفسه لأن أفعل ذو جهتين ثبوت أصل المعنى والزيادة فكونه من جملتهم بالجهة الأولى دون الثانية وجئ بمن في الثانية لأن من شرط أفعل المراد به الزيادة على المضاف إليه أن يضاف إلى ما هو بعضه لأنه موضوع لأن يكون جزءًا من جملة معينة بعده مجتمعة منه ومن أمثاله، ولا شك أن اليهود غير داخلين في الذين أشركوا فإن الشائع في القرآن ذكرهما متقابلين، ويجوز أن يكون ذلك من باب الحذف أي وأحرص من الذين وهو قول مقاتل؛ ووجه الآية على مذهب سيبويه، وعلى التقديرين ذكر المشركين تخصيص بعد التعميم على الوجه الظاهر في اللام لإفادة المبالغة في حرصهم والزيادة في توبيخهم وتقريعهم حيث كانوا مع كونهم أهل كتاب يرجون ثوابًا ويخافون عقابًا، أحرص ممن لا يرجو ذلك، ولا يؤمن بعث ولا يعرف إلا الحياة العاجلة، وإنما كان حرصهم أبلغ لعلمهم بأنهم صائرون إلى العذاب، ومن توقع شرًا كان أنفر الناس عنه، وأحرصهم على أسباب التباعد منه.
ومن الناس من جوّز كون من الذين صفة لمحذوف معطوف على الضمير المنصوب في {لتجدنهم} والكلام على التقديم والتأخير، أي: لتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس ولا أظن يقدم على مثل ذلك في كتاب الله تعالى من له أدنى ذوق، لأنه وإن كان معنى صحيحًا في نفسه إلا أن التركيب ينبو عنه، والفصاحة تأباه، ولا ضرورة تدعو إليه لاسيما على قول من يخص التقديم والتأخير بالضرورة، نعم يحتمل أن يكون هناك محذوف هو مبتدأ والمذكور صفته، أو المذكور خبر مبتدأ محذوف صفته.
{أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} وحذف موصوف الجملة فيما إذا كان بعضًا من سابقه المجرور بمن أو في جائز في السعة، وفي غيره مختص بالضرورة نحو:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

وحينئذٍ يراد بالذين أشركوا اليهود لأنهم قالوا عزير ابن الله ووضع المظهر موضع المضمر نعيًا عليهم بالشرك، وجوّز بعضهم أن يراد بذلك الجنس، ويراد بمن يود أحدهم اليهود، والمراد كل واحد منهم وهو بعيد وجملة {يَوَدُّ} الخ، على الوجهين الأولين مستأنفة، كأنه قيل: ما شدة حرصهم، وقيل: حال من الذين أو من ضمير أشركوا أو من الضمير المنصوب في {لتجدنهم}.
{أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} جواب {لَوْ} محذوف أي لسر بذلك وكذا مفعول {يَوَدُّ} أي طول الحياة، وحذف لدلالة {لَوْ يُعَمَّرُ} عليه كما حذف الجواب لدلالة {يَوَدُّ} عليه، وهذا هو الجاري على قواعد البصريين في مثل هذا المكان، وذهب بعض الكوفيين في مثل ذلك إلى أن {لَوْ} مصدرية بمعنى أن فلا يكون لها جواب، وينسبك منها مصدر هو مفعول {يَوَدُّ} كأنه قال: يود أحدهم تعمير ألف سنة، وقيل: {لَوْ} بمعنى ليت ولا يحتاج إلى جواب والجملة محكية بيود في موضع المفعول، وهو وإن لم يكن قولًا ولا في معناه لكنه فعل قلبي يصدر عنه الأقوال فعومل معاملتها، وكان أصله لو أعمر إلا أنه أورد بلفظ الغيبة لأجل مناسبة {يَوَدُّ} فإنه غائب، كما يقال: حلف ليفعلن مقام لأفعلن وهذا بخلاف ما لو أتى بصريح القول، فإنه لا يجوز قال: ليفعلن، وإذا قلنا: إن لو التي للتمني مصدرية لا يحتاج إلى اعتبار الحكاية، وابن مالك رضي الله تعالى عنه يقول: إن لو في أمثال ذلك مصدرية لا غير، لكنها أشبهت ليت في الإشعار بالتمني، وليست حرفًا موضوعًا له كليت ونحو لو تأتيني فتحدثني بالنصب أصله وددت لو تأتيني الخ، فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه، وقيل: هي لو الشرطية أشربت معنى التمني، ومعنى {أَلْفَ سَنَةٍ} الكثرة ليشمل من يود أن لا يموت أبدًا، ويحتمل أن يراد ألف سنة حقيقة والألف العدد المعلوم من الألفة، إذ هو مؤلف من أنواع الأعداد بناءً على متعارف الناس، وإن كان الصحيح أن العدد مركب من الوحدات التي تحته لا الأعداد وأصل سنة سنوة، لقولهم: سنوات، وقيل: سنهة كجبهة لقولهم: سانهته، وتسنهت النخلة إذا أتت عليها السنون، وسمع أيضًا في الجمع سنهات.
{وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العذاب أَن يُعَمَّرَ} {مَا} حجازية أو تميمية، وهو ضمير عائد إلى {أَحَدِهِمْ} اسمها أو مبتدأ و{بِمُزَحْزِحِهِ} خبرها أو خبره والباء زائدة، و{أَن يُعَمَّرَ} فاعل مزحزحه والمعنى ما أحدهم يزحزحه من العذاب تعميره وفيه إشارة إلى ثبوت من يزحزحه التعمير وهو من آمن وعمل صالحًا ولا يجوز عند المحققين أن يكون الضمير المرفوع للشأن لأن مفسره جملة، ولا تدخل الباء في خبر {مَا} وليس إلا إذا كان مفردًا عند غير الفراء، وأجاز ذلك أبو علي، وهو ميل منه إلى مذهب الكوفيين من أن مفسر ضمير الشأن يجوز أن يكون غير جملة إذا انتظم إسنادًا معنويًا نحو ما هو بقائم زيد؛ نعم جوّزوا أن يكون لما دل عليه {يُعَمَّرُ} و{أَن يُعَمَّرَ} بدل منه، أي: ما تعميره بمزحزحه من العذاب واعترض بأن فيه ضعفًا للفصل بين البدل والمبدل منه، وللإبدال من غير حاجة إليه، وأجاب بعض المحققين أنه لما كان لفظ التعمير غير مذكور، بل ضميره حسن الإبدال؛ ولو كان التعمير مذكورًا بلفظه لكان الثاني تأكيدًا لا بدلًا ولكونه في الحقيقة تكريرًا يفيد فائدته من تقرير المحكوم عليه اعتناءً بشأن الحكم بناءً على شدة حرصه على التعمير ووداده إياه جاز الفصل بينه وبين المبدل منه بالخبر، كما في التأكيد في قوله تعالى: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كافرون} [هود: 9 1] وقيل: هو ضمير مبهم يفسره البدل فهو راجع إليه لا إلى شيء متقدم مفهوم من الفعل، والتفسير بعد الإبهام ليكون أوقع في نفس السامع، ويستقر في ذهنه كونه محكومًا عليه بذلك الحكم والفصل بالظرف بينه وبين مفسره جائز كما يفهمه كلام الرضي في بحث أفعال المدح والذم واحتمال أن يكون هو ضمير فصل قدم مع الخبر بعيد والزحزحة التبعيد، وهو مضاعف من زح يزح زحًا، ككبكب من كب وفيه مبالغة لكنها متوجهة إلى النفي على حد ما قيل:
{وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 6 4] فيؤول إلى أنه لا يؤثر في إزالة العذاب أقل تأثير التعمير، وصح ذلك مع أن التعمير يفيد رفع العذاب مدة البقاء، لأن الإمهال بحسب الزمان وإن حصل، لكنهم لاقترافهم المعاصي بالتعمير زاد عليهم من حيث الشدة فلم يؤثر في إزالته أدنى تأثير بل زاد فيه حيث استوجبوا بمقابلة أيام معدودة عذاب الأبد.
{والله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي عالم بخفيات أعمالهم فهو مجازيهم لا محالة وحمل البصر على العلم هنا وإن كان بمعنى الرؤية صفة لله تعالى أيضًا لأن بعض الأعمال لا يصح أن يرى على ما ذهب إليه بعض المحققين وفي هذه الجملة من التهديد والوعيد ما هو ظاهر، وما إما موصولة أو مصدرية، وأتى بصيغة المضارع لتواخي الفواصل، وقرأ الحسن وقتادة والأعرج ويعقوب {تَعْمَلُونَ} بالتاء على سبيل الالتفات. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}.
معطوف على قوله: {ولن يتمنوه أبدًا} [البقرة: 95] للإشارة إلى أن عدم تمنيهم الموت ليس على الوجه المعتاد عند البشر من كراهة الموت ما دام المرء بعافية بل هم تجاوزوا ذلك إلى كونهم أحرص من سائر البشر على الحياة حتى المشركين الذين لا يرجون بعثًا ولا نشورًا ولا نعيمًا فنعيمهم عندهم هو نعيم الدنيا وإلى أن تمنوا أن يعمروا أقصى أمد التعمير مع ما يعتري صاحب هذا العمر من سوء الحالة ورذالة العيش.
فلما في هذه الجمل المعطوفة من التأكيد لمضمون الجملة المعطوف عليها أخرت عنها، ولما فيها من الزيادة في وصفهم بالأحرصية المتجاوزة الحد عطف عليه ولم يفصل لأنه لوكان لمجرد التأكيد لفصل كما يفصل التأكيد عن المؤكد.
وقوله: {لتجدنهم} من الوجدان القلبي المتعدي إلى مفعولين.
والمراد من الناس في الظاهر جميع الناس أي جميع البشر فهم أحرصهم على الحياة فإن الحرص على الحياة غريزية في الناس إلا أن الناس فيه متفاوتون قوة وكيفية وأسبابًا قال أبو الطيب:
أرى كلنا يهوَى الحياةَ بسعيه ** حريصًا عليها مستهامًا بها صَبّا

فحُب الجباننِ النفسَ أوده التُّقَى ** وحبُّ الشجاععِ النفسَ أَوْرَدَهِ الحَربا

ونكر الحياة قصدًا للتنويع أي كيفما كانت تلك الحياة وتقول يهود تونس ما معناه الحياة وكفى.
وقوله: {ومن الذين أشركوا} عطف على الناس لأن المضاف إليه أفعل التفضيل تقدر معه من التفضيلية لا محالة فإذا عطف عليه جاز إظهارها ويتعين الإظهار إذا كان المفضل من غير نوع المفضل عليه لأن الإضافة حينئذ تمتنع كما هنا فإن اليهود من الناس وليسوا من الذين أشركوا.
وعند سيبويه أن إضافته على تقدير اللام فيكون قوله: {ومن الذين أشركوا} على قوله عطفًا بالحمل على المعنى أو بتقدير معطوف محذوف تقديره أحرص هو متعلق من {الذين أشركوا} وإليه مال في (الكشاف).
وقوله: {يود أحدهم} بيان لأحرصيتهم على الحياة وتحقيق لعموم النوعية في الحياة المنكرة لدفع توهم أن الحرص لا يبلغ بهم مبلغ الطمع في الحياة البالغة لمدة ألف سنة فإنها مع تعذرها لو تمت لهم كانت حياة خسف وأرذل عيش يظن بهم أن لا يبلغ حبهم الحياة إلى تمنيها، وقد قال الحريري:
والموت خير للفتى ** من عيشهِ عَيْشَ البهيمة

فجيء بهاته الجملة لتحقيق أن ذلك الحرص يشمل حتى هاته الحياة الذميمة ولما في هاته الجملة من البيان لمضمون الجملة قبلها فُصلت عنها.
والود المحبة ولو للتمني وهو حكاية للفظ الذي يودون به والمجيء فيه بلفظ الغائب مراعاة للمعنى ويجوز أن تكون لو مصدرية والتقدير يود أحدهم تَعمير ألففِ سنة.
وقوله: {لو يعمر ألف سنة} بيان ليود أي يود ودًّا بيانه لو يعمر ألف سنة، وأصل لو أنه حرف شرط للماضي أو للمستقبل فكان أصل موقعه مع فعل يود ونحوه أنه جملة مبينة لجملة {يود} على طريقة الإيجاز والتقدير في مثل هذا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة لَما سَئِم أو لما كَرِهَ فلما كان مضمون شرط لو ومضمون مفعول {يود} واحدًا استغنوا بفعل الشرط عن مفعول الفعل فحذفوا المفعول ونزل حرف الشرط مع فعله منزلة المفعول فلذلك صار الحرف مع جملة الشرط في قوة المفعول فاكتسب الاسمية في المعنى فصار فعل الشرط مؤولًا بالمصدر المأخوذ منه ولذلك صار حرف لو بمنزلة أَن المصدرية نظرًا لكون الفعل الذي بعدها صار مؤولًا بمصدر فصارت جملة الشرط مستعملة في معنى المصدر استعمالًا غلَب على لو الواقعة بعد فعل {يود} وقد يلحق به ما كان في معناه من الأفعال الدالة على المحبة والرغبة.
هذا تحقيق استعمال لو في مثل هذا الجاري على قول المُحَققّين من النحاة ولغلبة هذا الاستعمال وشيوع هذا الحذف ذهب بعض النحاة إلى أن لو تستعمل حرفًا مصدريًا وأثبتوا لها من مواقع ذلك موقعها بعد {يود} ونحوه وهو قول الفراء وأبي علي الفارسي والتبريزي والعكبري وابن مالك فيقولون: لا حذف ويجعلون لو حرفًا لمجرد السبك بمنزلة أن المصدرية والفعل مسبوكًا بمصدر والتقدير يود أحدهم التعمير وهذا القول أضعف تحقيقًا وأسهل تقديرًا.
وقوله: {وما هو بمزحزحه} يجوز أن يكون الضمير لأحدهم ويجوز أن يكون ضميرًا مبهمًا يفسره المصدر بعده على حد قول زهير:
وما الحربُ إلا ما علمتم وذتُمُ ** وما هو عنها بالحديث المرجَّم

ولم يجعل ضمير شأن لدخول النفي عليه كالذي في البيت لكنه قريب من ضمير الشأن لأن المقصود منه الاهتمام بالخبر ولأن ما بعده في صورة الجملة، وقيل: هو عائد على التعمير المستفاد من {لو يعمر ألف سنة}.
وقوله: {أن يعمر} بدل منه وهو بعيد.
والمزحزح المُبعد.
وقوله: {والله بصير بما يعلمون} البصير هنا بمعنى العليم كما في قول علقمة الفحل:
فإن تسألوني بالنساء فإنني ** بَصِيرٌ بأدواء النساء طبيبُ

وهو خبر مستعمل في التهديد والتوبيخ لأن القدير إذا علم بما يجترحه الذي يعصيه وأعلمه بأنه علم منه ذلك علم أن العقاب نازل به لا محال ومنه قول زهير:
فلا تكتمُنَّ اللَّهَ ما في نفوسكم ** ليخفى فمهما يُكتم اللَّهُ يَعلم

يؤخَّرْ فيوضَعْ في كتاب فيُدَّخرْ ** ليوم الحساب أو يعَجَّلْ فينقم

فجعل قوله: يَعْلم بمعنى العلم الراجع للتهديد بدليل إبداله منه قوله يؤخر، البيت وقريب من هذا قول النابغة في النعمان:
علمتُك ترعاني بعين بصيرةٍ ** وتبعث حُرَّاسًا عليَّ وناظرا